وصفونا بآكلي لحوم البشر، وما أكل لحوم البشر إلا هم، وصفونا بالقتلة الغلاظ، وما كان غلاظًا إلا هم، بل إن كلمة غلاظ كلمة رحمة ومدح إذا قورنت بما فعلوا.
قبل أن ينزلوا أرضنا كنا ملايين البشر، لا يستطيع أحد أن يحصي لنا عددًا، وقد تسمع منهم أننا كنا ٢٠٠ مليون، ولكن هذا ظالم لنا، فنحن كنا أكثر بكثير مما قالوا، كنا خمسة أضعاف ما قالوا على الأقل، ولكن سكان أرضنا أبيدوا، فنحن لم نكن نملك من القلوب السوداء المظلمة، ولا من قوة السلاح ما كانوا يملكون.
كانوا يدخلون على قرانا أو مدننا؛ فنخرج بالهدايا فيأخذونها من أيدينا، ويبدأون فينا القتل بعدها مباشرة بلا رحمة ولا رأفة، يقتلون النساء والأطفال، ويبقرون بطون الحوامل، ويخرجون الأجنة من بطونهن.
فكانوا يدخلون القرى علينا ليلًا ونحن نائمون، محدثين جلبة، ويقف أحدهم يصرخ ويقول بلغتهم الإسبانية التي لا نفهم منها شيئًا: (أيها السكان، نحن نعلمكم بوجود إله ووجود بابا، ووجود ملك قشتالة سيد هذه الأرض، فاخرجوا، وأعلنوا الطاعة، وإلا سنقتلكم ونحاربكم).
فيخرج النهار على شلالات الدماء التي تملأ المنازل والشوارع، والجثث التي تملأ الآفاق، الرضع ينتزعون من أحضان أمهاتهم ليكونوا بجسدهم الغض طعامًا لكلابهم من الإنس والحيوانات، والنساء والعجائز والمسنون هم من يبدؤون بهم القتل.
الألعاب التي كانوا يسلون بهم أنفسهم، هي ركل الأطفال الرضع لأكبر مسافة، والأمهات مسلسلات لمشاهدة أولادهن وهم يلعب بهم كالكرة، ومن يستطيع أن يركل الطفل إلى أبعد مسافة يكون هو الفائز، وبعد ذلك هو الذي يقتل الأمهات، ورياضة ركل الأطفال كانت بقذفهم في الهواء بالأيدي، أو بركلهم على الأرض بالأقدام.
تاريخ الارض المفقود.. للكاتب. احمد سعيد طنطاوي